Queen Rania Foundation

التوجيه السلوكي: طريقة جديدة لسياسة التعليم في الأردن

6

في واحدة من تجارب السياسة المشهورة في الولايات المتحدة، تم إرسال رسائل نصّية لأهالي طلاب أعمارهم ثلاث وأربع سنوات عدة مرات خلال الأسبوع تحثُّهم على التمرُّن على القراءة والكتابة مع أطفالهم. كانت نتائج هذه التجربة إيجابية، حيث ازدادت مشاركة الأهل والأداء المعرفي للطلاب نتيجة هذه الرسائل النصّية.

على مدى العقدٍ الأخير تقريباً، سَعَت الحكومات إلى التأثير على قرارات وسلوك العامة من خلال إدخال سياسات "التوجيه السلوكي"- سياسات لصياغة القرارات دون الاعتماد على الافتراضات التقليدية للعقلانية، ولكن بناءً على توجُّهاتٍ سلوكية معينة يقوم بها البشر عند مواجهة قرارٍ معين أو مجموعة خيارات تحت ظروفٍ معينة. لذا، فإن الحكومات تدفع العامة لاتخاذ قرارات أفضل بالاعتماد على بعض التحيُّز الذي نخضع له جميعاً.

إن سياسة التحفيز التي صاغها الدكتور ريتشارد ثالر، الحاصل على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية عام 2017، تصدّرت السياسات العامة في السنوات الأخيرة بسبب بساطتها وانخفاض تكلفتها. قد يجادل أي صانع سياسات بأن أصعب أنواع السياسة تطبيقاً هو الذي ينطوي على تغيير السلوك، حيث يتم تخصيص مبالغ كبيرة من المال لمكافحة أو للترويج لنمط معين من السلوك من خلال حملات التوعية والأنشطة، ويفشل الكثير من هذه الحملات والأنشطة في تحقيق النتيجة المرجوّة، لذا يمكن لهذه الأموال أن تُنفق في طرق أفضل.

في التعليم، قامت الحكومات باستخدام سياسات التوجيه السلوكي للترويج للممارسات الإيجابية للطلاب وذويهم على حدٍ سواء، وعلى جميع المستويات. في واحدة من تجارب السياسة المشهورة في الولايات المتحدة، تم إرسال رسائل نصّية لأهالي طلاب أعمارهم ثلاث وأربع سنوات عدة مرات خلال الأسبوع تحثُّهم على التمرُّن على القراءة والكتابة مع أطفالهم. كانت نتائج هذه التجربة إيجابية، حيث ازدادت مشاركة الأهل والأداء المعرفي للطلاب نتيجة هذه الرسائل النصّية. في تجربةٍ أخرى في تركيا، تم عرض مقاطع فيديو متحركة لمجموعة طلاب من الصف الرابع تحمل فكرة أن الفشل فرصة للتعلُّم وأن العقول ليست ثابتة بل قابلة للنمو، وكنتيجة لهذا التدخل، أظهر الطلاب قدرةً أكبر على المثابرة وحصلوا على درجاتٍ أعلى في امتحانات الرياضيات واللغة.

على الرغم من كونها في بداياتها، إلاّ أن فكرة التأثير على السلوك والآراء والقرارات في التعليم تُعدُّ واعدةً خصوصاً في الأردن. حيث تدعو الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية للأعوام 2016-2025 إلى إحداث نقلة في العقليات الفردية وذلك للتمكُّن من إحداث التغيير اللازم على نظام تطوير الموارد البشرية بحيث يناسب احتياجات المملكة. هنا تصبح سياسات التوجيه السلوكي مفيدةً حيث تستطيع التأثير في سلوك العامة بالاستفادة من تحيُّزات بسيطة منتشرة لدى معظم (إن لم يكن كل) الأفراد وبتكلفة بسيطة. من الأمثلة على توظيف التنبيه؛ التشجيع على الالتحاق بالتعليم والتدريب المهني الذي يُعاني من انخفاضٍ كبيرٍ في الطلب ونظرةً دونيةً من العامة. تدعو الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية إلى فصل التعليم المهني عن التحصيل الدراسي المتدني وذلك لتحسين الصورة الذهنية حول هذا التعليم في عقول العامة. يمكن لصانعي السياسات دفع الطلاب وأهاليهم نحو اختيار هذا الفرع من خلال التواصل معهم حول فوائده المالية المتمثلة في معدل العائد ومقارنته مع حاملي الدرجات المختلفة. كما أن وضع حدٍّ أدنى من متطلبات الالتحاق يعطي انطباعاً أفضل عن جودة الطلاب ومستوى تقديم الخدمة. بعض تطبيقات التنبيه الأخرى يمكن رؤيتها في إمكانية تعزيز التعليم المبكر في المنزل (كما هو الحال في التجربة المُشار إليها سابقاً في الولايات المتحدة) نظراً لانخفاض نسبة التسجيل في التعليم المبكر، وفي التخفيف من الضغوطات المرافقة لامتحانات التوجيهي وذلك من خلال نشر رسائل دعم إيجابية لجميع الطلاب المتقدمين للامتحانات.

هناك عددٌ لا يُحصى لتطبيقات هذا النهج في التعليم، ولكن كيف ومتى يجب على الحكومات أن "تنبه" في التعليم؟ يُشير بن كاسلمان، رئيس مختبر "التوجيه السلوكي" في جامعة فيرجينيا إلى ثلاثة مبادئ توجيهية لتطبيق الرؤى السلوكية في التعليم: ابتداءً من مفارقات الاختيار الحرج (مثل اختيار الطلاب والأهالي بين الفرعين الأكاديمي والمهني)، والتشجيع على المشاركة الفاعلة بدل إعطاء توجيهات محددة، واستخدام التوجيه السلوكي كسياسة بديلة دون الاستغناء عما تم استثماره في التعليم. في الحقيقة، قد لا يستجيب التوجيه السلوكي لجميع المشاكل في القطاع التعليمي ولكنه قد يتمكن من إحداث تغييرٍ عظيم بتكلفة ضئيلة، خصوصاً إذا تم دمجه مع تدخلات تعليمية أخرى.